قبل فتح الإسلامي، أسبانيا ترزح تحت
حكم القوط الغربيين. وهم يتكلمون اللغة الجرمانية وفي ذلك الوقت يتكلم سكان
أسبانيا بلغة رومانثية أو لاتينية التي هذان اعتبرتا اللغة الرسمية في ذلك البلاد
بعد اعتنق القوط على الكاثولوكية. وايضا، أصبحت اللغة اللاتينية للغة الثقافة
حينئذ مع ما دخلها ألفاظ جرمانية عند عامة الناس. وبعد أن دانت (يعني قريب) أسبانيا
للحكم الإسلامي بعد الفتح المبارك لها وعرفت اسم البلاد باسم الأندلس، انتشر
الإسلام بسرعة فائقة، وبانشاره انتشرت اللغة العربية على نطاق واسع في هذه البيئة
الغريبة التي لم يكن لها سابق عهد بهذه اللغة، وقد لفت ذلك أنظار الباحثين
والدارسين مما جعلهم يتبعون هذه الظاهرة ويفردون لها بحوثا ودراسات مستقلة، لمعرفة
أسباب انتشارها والأسالب المتبعة في هذا الانتشار.
حقيقة، ساعد على انتشار اللغة العربية
في الأندلس بعد الفاتحين من هذه المرحلة عدة عوامل بينها جاء الجموع العربية
الوافدة (يعني جديد المجتمع) إلى الأندلس لتعليم الناس عن أمور الدين الإسلام،
وكما عرفنا اللغة الإسلام هي اللغة العربية لفهمه واستيعابه. وغير ذلك، ما تميز به
هؤلاء الوافدين في ذلك الوقت ملكوا روح المعاملة الحسنة والمحبة والتسامح الذي حب
أهل البلاد الأندلس بلغتهم وهذا ساعد إقبالهم عليها وتعلمهم بها، وهذا يدل على
متساوى ذلك المسلم وغيره. ثم، طبيعة اللغة العربية وما تميزت به وهي من خصائص تفوق
وممتاز من سائر اللغات. والمعلوم، انتشار اللغة أيضا لأن عناية الملوك والأمراء
بأمر اللغة العربية وبذلهم للجهود والطاقات في سبيل الحفاظ بها. ومن ذلك موجود دور
هشام الأول لتوحيد اللغة من حيث أصدر منشورا رسميا الذي يحتم فيه ضرورة لتعميم
اللغة العربية على المستعربين. ذلك لأن يشاركون المسلمين في مدارسهم وثم أصر
منشورا عاما في جميع السكان بضرورة لتعلم اللغة العربية لأنها تكون اللغة الرسمية في
ذلك البلاد.
وحصر
الدكتور عطوي سمات اللغة الخاصة بالقصيدة التي تحتوي عنصور الزهدية في القرن
الثاني والثالث الهجرة كسهولة الألفاظ وبساطتها وبساطة التركيب اللغوي والليونة
لدرجة الهمس وظاهرة الألفة في لغة الشعر الزهدي التي تجعل الشاعر قريبا من نفوس
الناس.
كما
تعتمد لغة الزهد على عاطفة الشاعر التي تنبع مما يعتنقه من قيم وما يتبناه من مبادئ،
وبناء على جميع ما سبق يمكنني تقسيم هذه الدراسة إلى ثلاثة محاور أساسية. أولا هو
الألفاظ، وثانيا هو التراكيب، وثالثا هو الأسلوب. ولكن في هذا البحث، الباحث سأبحث
من الألفاظ فقط.
لقد اهتم شعراء الزهد بألفاظهم،
وأحسنوا استخدامها في مواضعها الصحيحة التي تتلاءم المعنى المراد، ومن أبرز ما
ألاحظة على الألفاظ في هذه المرحلة، أولا السهولة والوضوح. من أولى
السمات التي تواجهنا سهولة الألفاظ التي ربما تؤدي بالتالي إلى سهولة المعنى
ووضوحه، ومرد ذلك إلى حرص على استقطاب الألفاظ الفصيحة البعيدة عن الغرابة
والتعقيد، أو العامية المبتذلة. وهي ظاهرة تتجلى في أغلب شعر الزهد في هذه
المرحلة، وحتى نتبين هذه الحقيقة لا بد من ضرب الأمثلة لذلك، وهي كثيرة جدا، من
ذلك قول للغزال يخاطب فيه الناس :
من ظن أن الدهر ليس يصيبه بالحادثات فإنه مغرور
فالق الزمان مهونا لخطوبه وانجر حيث يجرك المقدور
وإذا تقلبت الأمور ولم تدم فسواء المحزون والمسرور
وثانيا هي ظاهرة التكرار.
فالتكرار إذن من أسالب العربية التي تعطى الضوء على قسم أو جزء هام في العبارة من
الشعر. والأصل منه حقيقة، هو يأتي لغرض التأكيد إذا تطلب المقام من ذلك، وممكن هو
يخرج لأغراض أخرى بحسب السياق. والمعلوم، شعر الزهد يحتاج الى التكرار سواء كان
اللفظي أو المعنوى. ومنهما لتأكيد بعض المعاني التي قد تكون غائبة عن البعض، إلا
أنه ينبغي لا يجيء به دون هدف لأن حينها يضر البيت ويعيبه. وتقسيم التكرار إلى
ثلاثة أقسام، أولا تكرار الحروف وثانيا تكرار الكلمات وثالثا تكرار العبارات.
وهنا، سأبحت عن تكرار الكلمات فقط.
ومن
تكرار الكلمات لشعر الزهد، يخرج لعدة أمور وهي تكرار للتأكيد أولا، وثانيا تكرار
للتهكم والسخرية، وثالثا رد العجز على الصدر، ورابعا تكرار بالمجاورة، وخامسا تشابه
الأطراف، وسادسا تكرار بلا فائدة.
حيا
ننظر إلى تكرار للتأكيد من شعر الزهد وهو من أبيات أمير عبد الله،
وهو يقول :
يا من يراوغه الأجل حتام يلهيك الأمل
حتام لا تخشى الردى وكأنه بك قد نزل
أغفلت عن طلب النجاة ولا نجاة لمن غفل
هيهات يشغلك المنى ولما يدوم لك الشغل
فكأن يومك لم يكن وكأن نعيك قد نزل
هذه الأبيات إذا ننظرها، يوجد الكلمات
المكررة وهي "حتام، النجاة، كأن". حقيقة، الغرض من التكرار هنا لأن يريد
التأكيد والتقرار. وقد يوجد عمل التكرار هنا أيضا لأن إحداث التلاؤم والترابط بين
أقسام أو أجزاء الأبيات.
وحيا
مرة أخرى لننظر تكرار بلا فائدة من شعر الزهد. ومن التكرار يدل على
ما لا يؤدي فائدة في المعنى بعض الأبيات، ربما يخرج منه مخرجا سيئا، ومن ذلك
التكرار "الإعجاب" والإسم الموصول كما في قول الغزال :
لتعجبت والذي منه أعجبت إذا ما نظرت شيء عجاب
لكأن الذي تولى الذي كان عليه مخلد لا يراب
هذه الأبيات إذا ننظرها، يوجد كلمة
"عجب" في حد ذاتها جيدة. كما قد ذكر الدكتور إبراهيم أنيس أن خير
التراكيب وأكثرها استعمالا هي ما بدئ بحرف حلق ثم حرف فم ثم حرف شفة وذكر مثالا
لذلك كلمة "عجب"، إلا تكرارها بهذه الصورة خرج بها عن الحدية (الهامة).
وقد يكون أيضا هذا التكرار نتاجا لاضطراب على نفسية الشاعر خاصة يعني هة يتكلم عن
بعض ما حظي به واحد زرياب من تكريم لدى الأمير، وما هو يحدث من تقلب الدنيا بالناس
وعدم استقرارها على حال مما أدى إلى تعجبه من هذه الحال الذي يمثله بحالة الراهنة.
وغير ذلك، تكرار الإسم الموصول يعني "الذي" بثلاث مرات في البيتين يدل
على هذا الاضطراب ولا يضيف للمعنى شيئا لأنه يكلف لا ضروره له.
والخلاصة،
شعر الزهد من الأشعار في الأدب الأندلسي حتى أواخر القرن الثالث الهجري يحتوي الفنية
اللغة العربية التي تعطى الفرصة على المجتمع في ذلك الوقت لدراستها وممارستها
خصوصا بالألفاظ والتراكيب والأسلوب. ولكن، هذا البحث قادر على ليبحث الباحث عن
الألفاظ في مجال السهولة والوضوح وظاهرة التكرار. ولو بحث الباحث هذا البحث
بإختصار، اليقين الباحث ولا يزال بالشك أنها يستطيع القراء أن يفهمون بدور اللغة
العربية في انتاج شعر الزهد في ذلك العصر[1].
شكرا جزيلا.
[1] الأستاذ الدكتور / مصطفى حسين عناية. الزهد
في الشعر الأندلسي حتى أواخر القرن الثالث الهجري. المملكة العربية السعودية،
جامعة أم القرى. ص ١٧٧ – ٢٣٠.